recent
أخبار ساخنة

آق شمس الدين .. شخصيات صنعت المجد

 آق شمس الدين .. شخصيات صنعت المجد

يتصل نسب العالم المولود في دمشق عام 1389م، الذي حفظ القرآن الكريم وهو ابن 7 أعوام، وجابت شهرته الآفاق، إلى الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه، كما أنه أستاذ السلطان الفاتح، والقائد المعنوي لمعركة إسطنبول الكبرى، فمن هذا العَلَم؟

آق شمس الدين .. شخصيات صنعت النجاح


حياة العالم الشيخ الجليل آق شمس الدين 

ولد العالم اللامع "آق شمس الدين" في دمشق عام 1390، واسمه الحقيقي "محمد شمس الدين ابن حمزة"، وأتم حفظ القرآن في سنة مبكرة.

انتقل آق شمس الدين مع أسرته إلى الأناضول وهو في سن السابعة من عمره، حيث تلقى تعليمًا في الطب وعلوم أخرى بعد وفاة والده الشيخ "شرف الدين حمزة". وعمل لاحقًا مدرِّسًا في مدرسة "عثمانجيك".

وبعد وقت قصير من عمله في التدريس، قرر آق شمس الدين تلقي الصوفية من العالم الشهير في ذلك الوقت "حاجي بايرام"، ليعلو شأنه في طريق الصوفية بعد تجوله في بغداد والشام وإيران. 

مكث لفترة من الزمن في "بايبازاري" بعد استئذانه من شيخه، ثم استقر به المقام في مدينة "غوينوك" التابعة لولاية أنطاليا جنوب تركيا في الوقت الحالي.

ألقاب العالم الشيخ الجليل شمس الدين

  1. لُقِّب العالم الشيخ الجليل شمس الدين ب الآق ، وكلمة «آق» في اللغة العثمانية تعني اللون «الأبيض»، وهي تعني أيضاً: «طَاهِر» أو «عَفِيف».
  2. كما اشتهر الشيخ الجليل آق شمس الدين ب طبيب الأرواح لاهتمامه بالأمراض النفسية.
  3. ومن ضمن الألقاب التي اشتُهر بها العالم شمس الدين لقب الفاتح الروحي أو المعنوي ؛ لدوره الكبير في فتح القسطنطينية من خلال دعمه للقائد العسكري الفاتح محمد. نعم هو الفاتح المعنوي، بالنظر إلى دوره البارز في تعبئة الأمة التركية وراء هذا المشروع من ناحية، ومن ناحية أخرى إشرافه على تربية محمد بن مراد منذ الصغر، وتنشئته على الرغبة الجامحة في أن يكون فتح القسطنطينية على يده.

العالم الشيخ الجليل آق شمس الدين الوالد المربي

الشيخ الجليل آق شمس الدين مع السلطان محمد الفاتح


وصلت شهرة الآق شمس الدين لقصر السلطان مراد الثاني، الذي طلب من مساعديه أن يرشحوا له أحد العلماء الثقات لتعليم وتأديب ولده محمد الفاتح، وهنا وقع الاختيار على آق شمس الدين ليكون مدرسة الفاتح الأولى ومنارته التي نهل منها علمه الدنيوي والديني.

العلوم التي تعلمها السلطان الفاتح على يدي العالم الشيخ الجليل آق شمس الدين 

على يدي الشيخ الجليل العالم آق شمس الدين تعلَّم الفاتح العلوم الأساسية الآتية:
  •  القرآن الكريم 
  • السنة النبوية 
  • الفقه 
  • اللغات (العربية والفارسية والتركية) 
  • علم الفلك 
  • الرياضيات 
  • التاريخ
  • هذا بجانب ما كان يزرعه في نفسه من تعزيز لمكانة الفتوحات الإسلامية وحب الجهاد في سبيل الله وعلو الهمة.
 فكان بحق الباني الأول لقلب وعقل السلطان العثماني الفاتح محمد .

الشيخ الجليل آق شمس الدين والعلم 

آق شمس الدين والعلم


كان شمس الدين شغوفًا بالعلم منذ نعومة أظفاره، فدرس في أماسيا ثم حلب وبعدها إلى أنقرة، وهناك كرس حياته لخدمة العلم والتعلم، حتى صار في وقت قصير أحد الرموز البارزة في مجال العلوم الإسلامية في تركيا، وبات قِبلة يقصدها طلبة العلم والباحثون من الأتراك وغيرهم من الجنسيات الأخرى.

إيمانه بالتعلم وأهميته دفعه للتزود من العلوم الأخرى، فدرس الطب والفلك والرياضيات وعلوم الأحياء والطبيعة، حتى صار موسوعة عصره في عدد من المجالات، ما أهله للعمل في المدارس العثمانية لسنوات عدة، فتتلمذ على يده كبار العلماء العثمانيين.

كان له العديد من المؤلفات البحثية في علم النبات والصيدلة حتى ضُرب به مثل يقول: "إن النبات ليحدث آق شمس الدين"، واهتم أيضًا بالأمراض النفسية فاشتهر بلقب "طبيب الأرواح"، كما وضع أول تعريف للميكروب في القرن الخامس عشر.

العلوم التي برع فيها العالم آق شمس الدين 

رغم تعمق آق شمس الدين في علوم الشريعة، إلا أن ذلك العالم لم يقتصر عليها، بل كان عالمًا في:
  1.  الطب 
  2. الصيدلة 
  3. الفلك
  4. الرياضيات
  5. التاريخ 
  6. علوم الأحياء والطبيعة
  7. الطب النفسي 
  8. النباتات واستخلاص الأدوية منها والمداواة بها، ومن فرط براعته في ذلك تداول الناس مثلًا ، يقولون إنّ النبات ليحدث آق شمس الدين. 
  9. كانت الأمراض المعدية التي يموت بسببها الآلاف محل اهتمام آق شمس الدين، وألف كتابًا عن ذلك بعنوان "مادة الحياة"، وقال فيه إنَّ العدوى صغيرة ودقيقة إلى درجة عدم القدرة على رؤيتها بالعين المجردة، لكن هذا يحدث بواسطة بذور حية.
  10. يعتبر آق شمس الدين أول من وضع تعريفًا للميكروب في وقت لم يخترع فيه الميكروسكوب بعد، وهذا ما توصل إليه الكيميائي والبيولوجي الفرنسي لويس باستر بعدها بأربعة قرون.
  11. كما اهتم آق شمس الدين بمرض السرطان، وألف فيه كتابين.

مؤلفات العالم آق شمس الدين 

للعالم الشيخ الجليل آق شمس الدين سبعة مؤلفات في اللغة العربية، منها :
  •  حل المشكلات
  • الرسالة النورية
  •  تلخيص المتائن
  •  مقامات الأولياء
  • رسالة في ذكر الله
وللعالم الجليل آق شمس الدين كتابين باللغة العثمانية، هما:
  1. مادة الحياة
  2. كتاب الطب.

العالم الشيخ الجليل آق شمس الدين و دوره في فتح القسطنطينية 

آق شمس الدين و دوره في فتح القسطنطينية


و بينما لم يتجاوز محمد الفاتح العاشرة من عمره كان يصطحبه معلمه شمس الدين ليتمشيا معًا على شاطئ البحر المحيط بأسوار القسطنطينية الحصينة، ثم يقول له:
 
أترى هذه الأسوار الشاهقة والمدينة العظيمة؟ إنها القسطنطينية، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن رجلًا من أمته سيفتحها بجيشه ويضمها إلى أمة التوحيد: "لَتُفْتَحنّ القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش".

لم تفارق تلك الكلمات عقل وقلب الشاب الصغير، وظلَّ يرددها قولًا وفعلًا حتى تولى مقاليد الحكم بعد وفاة والده، وهنا بدأت نبوءة المعلم في التحقق، حيث يُعِدُّ السلطان جيشًا جرَّارًا لفتح المدينة العظيمة، وهنا جاء الأستاذ ليكمل دوره في ميدان المعركة، إيمانًا منه أن العلم والعمل قرينان لا ينفصلان أو يتعارضان.

وبينما لم يتجاوز السلطان الشاب الحادية والعشرين من عمره إذ به يجد نفسه على رأس جيش منوط به أن يفتح واحدة من أعظم مدن أوروبا في هذا الوقت، تلك البوابة الكبيرة التي تزيد ثقل الإمبراطورية الإسلامية وتعيد للمسلمين مجدهم وعزهم وحضارتهم المسلوبة.

لكن تلك الوضعية بحاجة إلى قوة دفع هائلة، وهنا جاء دور الشيخ والعالِم ، الذي دفع السلطان إلى الجهاد، لكن ذلك ما كان له أثر إلا أن يكون هو القدوة والمثل، وبالفعل شارك آق شمس الدين بنفسه وأخذ أبناءه وطلابه وتلاميذه في جيش الفتح العظيم، وتقدم الصفوف حتى تم الفتح في 1453م.

مكرمات الشيخ الجليل العالم آق شمس الدين 

☆☆ ومن المكرمات العظيمة التي نُقلت عن أستاذ الفاتح أنه خلال الحصار الذي فرض على القسطنطينية وتقول بعض الروايات إنه زاد على 50 يومًا، تعرض جيش المسلمين لبعض الاختراقات البيزنطية عبر عدد من السفن، ما كان له أسوأ الأثر على نفوس العثمانيين.

وفي تفاصيل تلك اللحظة الحرجة يذكر أمير حسين أنيسي في كتاب "مناقب آق شمس الدين"، أن الأمراء والعلماء العثمانيين اجتمعوا على إثر ذلك بالسلطان، وقالوا: "إنك دفعت بهذا القدر الكبير من العساكر إلى هذا الحصار جريًا وراء كلام أحد المشايخ - يقصدون آق شمس الدين - فهلكت الجنود وفسد كثير من العتاد ثم زاد الأمر على هذا بأن عونًا من بلاد الإفرنج داخل القلعة، ولم يعد هناك أمل في هذا الفتح".

وعلى الفور أرسل السلطان لأستاذه الذي رد عليه برسالة مختصرة قال فيها:
"هو المعزّ الناصر... إن القضية الثابتة هي أن العبد يدبر والله يقدر والحكم لله، ولقد لجأنا إلى الله وتلونا القرآن الكريم، وما هي إلا سنة من النوم بعد إلا وقد حدثت ألطاف الله تعالى فظهرت من البشارات ما لم يحدث مثلها من قبل". آق شمس الدين 

جاءت تلك الرسالة بمثابة نسمات الطمأنة على قلب السلطان وجنوده، فكان التغير الواضح في سير المعركة، غير أن الفاتح يريد لشيخه أن يكون بجواره في ساحة الوغى، فأرسل أحد رجاله إلى خيمة الشيخ، وهنا كانت المفاجأة.. حيث منع حراس خيمة شمس الدين رجال السلطان من الدخول.

☆☆ ومن ضمن المكرمات العظيمة التي أنعم الله بها على الشيخ الجليل العالم آق شمس الدين معرفته بمكان قبر الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري الذي دفن داخل أسوار القسطنطينية.

احترام السلطان للعالم الشيخ الجليل آق شمس الدين 

غضب محمد الفاتح غضبًا شديدًا جراء منع رجاله من دخول خيمة الشيخ، فذهب بنفسه لكنه فوجئ بمنعه هو الآخر بناء على أوامر العالم الجليل شخصيًا، ومع ذلك التزم السلطان برغبة أستاذه ولم يقتحم عليه خيمته، لكنه تحايل على ذلك بأن شقها من أحد جوانبها بخنجره.

احترامي للشيخ آق شمس الدين، احترام غير اختياري، إنني أشعر وأنا بجانبه بالانفعال والرهبة. محمد الفاتح 

وهنا رأى شيخه ساجدًا لله على الأرض، يدعوه ويبتهل حتى ابتلت لحيته وتدحرجت عمامته من على رأسه، كاشفة شعره الأبيض الذي تدلى على الأرض من طوله، وقد سمع السلطان بعض همهمات الشيخ وهو يدعو ربه بنصرة الجيش وتمكينه على أعدائه.

وأمام هذا الموقف المؤثر غادر السلطان الخيمة وذهب إلى جيشه، ليجد المفاجأة، فالجنود استطاعوا أن يحدثوا ثغرات كبيرة في الأسوار التي تحاصر المدينة، وبات النصر على بعد أمتار قليلة من أقدام المسلمين، ففرح الفاتح بذلك، وهنا قال عبارته الشهيرة:
" ليس فرحي لفتح المدينة فقط إنما فرحي بوجود مثل هذا الرجل في زمني" محمد الفاتح 

مكانة الشيخ العالم الجليل آق شمس الدين لدى السلطان الفاتح محمد

وتوقيرًا لدور الشيخ ومكانته اختصه السلطان الفاتح بإلقاء أول خطبة جمعة تقام في آيا صوفيا بعد تحويلها من كنيسة إلى مسجد عقب الفتح، وهو الشرف الذي ما كان للشيخ الجليل أن يبلغه إلا باحتلاله مكانة كبيرة في قلب السلطان وعقله، وإيمانًا بدوره الكبير في معركة الفتح العظيمة.

ورغم ما كان يتمتع به شمس الدين من كبرياء وعظمة إلى الحد الذي كان يخشاه جميع السلاطين والوزراء، فكان لا يقف لأحد مهما كانت مكانته، فيما كان الجميع يقف أمامه إجلالًا وتعظيمًا، كان يحتل منزلة غير مسبوقة، لم ينلها أحد في قلب السلطان الفاتح.

وأثار هذا الموقف دهشة الصدر الأعظم محمود باشا الذي خاطب السلطان يومًا بقوله: لا أدري يا سلطاني العظيم، لم تقوم للشيخ آق شمس الدين عند زيارته لك، من دون سائر العلماء والشيوخ، في الوقت الذي لا يقوم لك تعظيمًا عند زيارتك له؟!

فكان رد السلطان الفاتح:
 
أنا أيضًا لا أدري السبب، ولكنني عندما أراه مقبلًا عليّ، لا أملك نفسي من القيام له، أما سائر العلماء والشيوخ، فإني أراهم يرتجفون من حضوري وتتلعثم ألسنتهم عندما يتحدثون معي، في الوقت الذي أجد نفسي أتلعثم عند محادثتي الشيخ آق شمس الدين.

قبر الصحابي أبي أيوب الأنصاري والعالم الشيخ الجليل آق شمس الدين 

وقد اهتدى الشيخ آق شمس الدين الى قبر الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري، والذي استشهد حول أسوار القسطنطينية في محاولات المسلمين الأولى لفتحها، وكان يوما مشهودا في تاريخ فتح القسطنطينية.

فبعد فتح القسطنطينية سنة 857 هـ (1453 م) حدد الشيخ آق شمس الدين موضع قبر أبي أيوب الأنصاري، قائلا: «إني أشاهد في هذا الموضع نورًا، لعل قبره ها هنا» وذهب لذلك الموضع وتوجه زمانا، ثم قال: «التقت روحه مع روحي وهنأني بهذا الفتح» وقال: «شكر الله سعيكم حتى خلصتموني من ظلمة الكفر». وبعد ذلك أمر السلطان محمد الفاتح ببناء قبة على ذلك الموقع.

مقتطف من خطبة الشيخ العالم آق شمس الدين بعد فتح القسطنطينية 

إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في شأنكم: (لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش). ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا ويغفر لنا".

وأكمل: "ألَا لا تسرفوا في ما أصبتم من أموال الغنيمة ولا تبذروا وأنفقوها في البر والخير لأهل هذه المدينة، واسمعوا لسلطانكم وأطيعوه وأحبوه".

ثم التفت الى الفاتح وقال له: "يا سلطاني، لقد أصبحت قرة عين آل عثمان فكن على الدوام مجاهداً في سبيل الله. ثم صاح مكبراً بالله في صوت جهوري جليد".

وفاة الشيخ الجليل العالم آق شمس الدين 

قبر العالم الشيخ الجليل آق شمس الدين

قبر العالم الشيخ الجليل آق شمس الدين


توفي العالم الشيخ الجليل آق شمس الدين عام 1459م بعد فتح القسطنطينية بست سنوات في قرية غونيوك (بالتركية: Göynük)‏ الواقعة حالياً بمحافظة بولو (بالتركية: Bolu)‏ بمنطقة البحر الأسود، على بُعد حوالي 170 كلم شرقي القسطنطينية (إسطنبول).

وأخيرًا:

وأمام هذه السيرة الثرية والدور الريادي الموثق في تعزيز الفتوحات الإسلامية، لم يكن بمستغرب أبدًا أن يترحم الأتراك وغيرهم على روح هذا الإمام الذي سطر اسمه بأحرف من نور في سجلات التاريخ الإسلامي بصفته الفاتح الروحي للقسطنطينية الذي تتلمذ على يديه الفاتح العسكري.
google-playkhamsatmostaqltradent