recent
أخبار ساخنة

من هو يونس إمره؟!

يونس إمره ملهم الأتراك بالمحبة و التسامح

يونس أمره هو شاعر، وقاضي، ومتصوِّف تركي مسلم، ويُعدُّ من أكثر الشعراء الشعبيين الأتراك شهرة و ذو تأثير كبير في الأدب والثقافة في تركيا. 

يونس إمره ملهم الأتراك بالمحبة و التسامح


حياة يونس إمره 

ولد يونس إمره عام 1238 في قرية صاري، وعاش، ومات، ودفن فيها.

عاش يونس إمره في شبابه مع والدته وكان يشعر وفقًا لبعض المصادر التاريخية بالوحدة والغربة حيث لقب بـ”يونس الغريب” من وقت لآخر كان يونس أمره يتجول في وسط مزارع الكروم والبساتين في حالة تأمل عميق.

شهدت السنوات التي عاشها يونس أمره غزو المغول للأناضول والمعارك المستمرة بين الأتراك والمغول، وانتشر في ذلك الوقت المجاعات والخراب.

تجول يونس أمره في العديد من المدن والولايات وأبرزها كان أبرزها سفره إلى قيصري وتبريز وسيواس ومرس وبغداد وناختشيفان وشيراز.

عاصر يونس إمره دولة سلاجقة الروم حيث أنه ولد في بلدة “ساري كوي” التابعة لسيفير حصار بولاية اسكي شهير حاليًا وتوفي في ولاية اسكي شهير في مدينة سميت على اسمه حاليًا تحت حكم الدولة العثمانية في بداياتها.

 سر شهرة يونس إمره 

أخذ يونس الغريب شهرة واسعة لما ألفه من قصائد تحدثت عن القيم الإنسانية والحب الإنساني والسلام الاجتماعي.

كان لشعر يونس إمرة تأثيرًا بالغًا على الصوفيين الأتراك المتأخرين، كما ألهم شعراء نهضة الشعر الوطني التركي بعد عام 1910 ميلادي.

يعتبر الأتراك يونس إمره بطلًا ملحميًا ودرويشًا من الصالحين حيث اختار يونس الأماكن الموحشة والخاوية ليقيم فيها الزوايا والتكايا ويحولها إلى أماكن عامرة. 

يونس إمرة شاعر الأناضول 

على الرغم من كثرة الأساطير التي تتناول حياته فإنها تحجب قصته الحقيقية التي لا نعرف الكثير من المعلومات الموثوقة عنها، ومن المعروف أن إمره كان صوفيا التزم بطريقة الشيخ تابدوك إمره، الذي كان متأثرا بأشعار أشهر متصوفة القرن الـ 13 الميلادي مولانا جلال الدين الرومي، لكن أشعار يونس إمره جاءت، على خلاف مولانا، أكثر شعبية وبساطة.

ووفقا لأسطورة متكررة حول حياته، اقترب يونس إمره من تكية صوفية للدراويش قاصدًا طلب الطعام، وهناك التقى حاج بكتاش ولي (1201-1271) مؤسس الطريقة البكتاشية الشهيرة التي انتشرت في تركيا وانتقل مركزها لألبانيا لاحقًا وارتبطت بطبقة الإنكشارية وهم قوات مشاة من نخبة الجيش العثماني الذين شكلوا حرس السلطان الخاص.

في الأسطورة، طلب يونس من الحاج بكتاش قمحًا لكن الشيخ الصوفي عرض عليه الدعاء بدلاً عن ذلك، وهو العرض الذي رفضه يونس ثلاث مرات وأخذ القمح قبل أن يكتشف خطأه ويعود لتكية الدراويش طالبًا الدعاء والبركة، وهناك أخبره الشيخ أن الفرصة قد فاتته وعليه إن أراد أن يلزم الشيخ تابدوك إمره، وهكذا بدأت رحلة عقود من اتباع هذا المعلم الروحي وأثمرت أشعارًا صوفية يرددها الكثير من الأتراك حتى يومنا هذا، يقول في أحدها:
 "لست مدعيًا
 لكنني جئت لأنشر الحب في القلوب 
فمنزل الحبيب هو القلب 
وديدني أن أعمر القلوب بالحب".

منهج الشاعر التركي يونس إمره في كتابة شعره

استوحى الشاعر التركي يونس إمره شعره ومنهجه في التفكير والتأمل من نشأته الريفية، لأنه عندما يتحدث عن عواطفه أو أفكاره، كثيرًا ما يستخدم رموزًا وتشبيهات وكنايات مستقاة من حياة الزرع، والبستنة، والحدائق، فهو ينظر إلى نفسه أولًا وإلى البيئة المحيطة به ثانيًا.

 وأشد ما يلفت نظر يونس هو دوران الفلك وتتابع المواسم الأربعة، وما يتبع ذلك من تأثير في الحياة. 

تعليم يونس إمره 

تلقى يونس تعليمًا جيدًا في مدرسة كاراتاي السلجوقية التي تدرس العلوم الشرعية والقانون، وكان يفترض أن يعمل في وظيفة قاضي سلجوقي لكنه اختار أن ينتظم بالطريقة الصوفية ومرشدها الروحي، ويعتقد كثير من المؤرخين أن الطرق الصوفية لعبت أدوارًا مدنية مهمة في الأناضول عندما ضعفت حكومة السلاجقة وعاصمتهم قونيا في القرن الـ 13 الميلادي.

ووفقا لرواية شعبية فقد كتب يونس إمره مئات القصائد التي وجدها أحد معاصريه ويدعى ملا قاسم مخالفة للشريعة فأحرق الكثير منها، لكن بعضها نجا في مخطوطة يعود تاريخها للقرن الـ 15 بمدينة بورصة التركية، وتدور قصائدها حول السعي لتطهير النفس والتطلع إلى الارتقاء الروحي، ويتناول الشاعر فيها مواضيع الحياة والموت والتفاني، والعدالة الإلهية.

وعبَّر عن طريقة تفكير الصوفية في عصره بلغة شعرية بسيطة وسلسة، تعد امتدادًا للتقاليد الشعرية التي بدأت مع أحمد بن إلياس اليوسفي المتوفى عام 1166م، والذي يُعرَف بأنه أول صوفي تركي، إذ درس التصوف والعلوم الدينية وترك أشعارًا صوفية.

شيوخ يونس إمره 

أوضح يونس في بعض قصائده أنه أدرك مولانا جلال الدين الرومي والتقى به وبغيره من كبار المتصوفة كچايكلي بابا وبالم سلطان وأحمد فقيه، وكان لكلِّ اسم من هذه الأسماء أثر في حياة وأدب يونس، خاصة جلال الدين الرومي الذي تشير المصادر إلى أن تأثيره الكبير في شخصية يونس بلغ إلى أن وفاته (الرومي) في قونية 1273م، جعلته بائسًا حزينًا حتى أسبلت عيناه من خلفه، فشارك في بناء ضريح قبره كواحد من البنائين كنوع من الرثاء وعرفان الجميل.

نظم يونس أشعاره بلغة الشعب والقوافي والأوزان الشعبية مازجًا فيها بين الذوق التركي والثقافة الإسلامية الزاهدة

وانتسب يونس إلى شيخٍ يدعى طابطوق إمره في منطقة "صقاريا"، ويعد هذا الشيخ أحد خلفاء "حاجي بكتاش والي"، وقد تلقى عنه يونُس الفيض، كمفهوم وخبرة رئيسة في التجربة الصوفية، لسنوات طويلة.

كما تجول يونس في المنطقة الممتدة في الأناضول وأذربيچان وسوريا، وترك أثرًا عظيمًا في كل بلد مر بها، وكان لذلك أثره الذي انعكس عليه عندما مات.

يونس إمره والصوفية

كان يونس إمره صوفيًا التزم بطريقة الشيخ تابدوك إمره، الذي كان متأثرًا بأشعار أشهر متصوفة القرن الـ 13 الميلادي مولانا جلال الدين الرومي، لكن أشعار يونس إمره جاءت، على خلاف مولانا، أكثر شعبية وبساطة.

وفاة يونس إمره 

توفي يونس الغريب في عام 1321 ميلاديًا عن عمر يناهز الـ 83 عامًا ودُفن في ميهالتشجيك والتي تقع في ولاية اسكي شهير حاليًا غرب أنقرة.

ويشير المؤرخ والرحالة التركي أوليا جلبي الذي عاش في القرن الـ 17 الميلادي إلى تطابق أسماء المناطق والبلدات والقرى الواردة في سيرة وقصائد يونس إمره مع مناطق تقع كلها في المقاطعة التركية التي تعرف باسم كارامان اليوم.

تعرَّف على المزيد من الشخصيات البارزة التي أثرت في تاريخ تركيا من خلال النقر هنــا
 

كيفية تعبير الشعب التركي عن حبهم للشاعر يونس إمره

نصب تذكاري للشاعر يونس إمره في إسطنبول


نظر الشعب التركي المتدين إلى يونس إمره كشخص من الصالحين الواصلين أو كبطل ملحمي؛ وأقاموا له مدفنًا في “صاري كوي”، بالإضافة إلى أضرحة أخرى في أماكن مختلفة كثيرة، وبعبارة أخرى، فإن الكل أراد أن يدّعيه لنفسه ويجعله بمنطقته.
ناهيك عن تسمية الكثير من المراكز الثقافية والتعليمية باسمه افتخارًا به وتكريمًا له.
وفي يومنا الحالي، يوجد في تركيا، معهد يونس إمره الثقافي، الذي يعد جسر تواصل ثقافي وعلمي بين تركيا وبلدان العالم، حيث يمتلك شبكة واسعة حول العالم تشمل 157 مركزًا في 5 قارات، يعمل من خلالها على التعريف باللغة والثقافة التركيتين.

كما دأب الأتراك منذ قرون على ضرب الأمثال بالمحبة والتسامح، بالشاعر المتصوف يونس إمره الذي خُلّدت أشعاره حتى اليوم الحالي، وبات يتردد على لسان الصغير والكبير في منطقة الأناضول.

وألهمت أشعار يونس إمره الذي عاش في القرن الـ 13 الميلادي، المكتوبة باللهجة التركية الأناضولية القديمة الثقافة والأدب التركيين بالعصر الحديث، وأصدر المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو قرارًا بالإجماع يعلن عام 1991، الذكرى 750 لميلاد الشاعر، "عام يونس إمره الدولي".

معهد باسم يونس إمره 

معهد "يونس إمره الثقافي" التركي يفتح أبوابه أمام الراغبين في تعلم اللغة التركية وعدد من المهارات الأخرى، مثل فنون الرماية، وفنون الطبخ التركي والشعر. 

وفي سبتمبر/كانون الأول 2020، افتتح المعهد مركزه الستين حول العالم منذ 2009، بمدينة "أعزاز" السورية (شمالًا) التي شهدت سنوات طويلة من الحرب.

ولفت رئيسه شريف آتش، إلى "أهمية فلسفة يونس إمره لاستعادة الاستقرار والسلام بين شعوب المنطقة".

ويضيف آتش: أن المعهد "يسعى من خلال تعليم اللغة التركية، إلى جلب منظور لحياة قائمة على العيش المشترك، والتسامح والمحبة بين البشر".

ويشير إلى أن "أول مراكز معهد (يونس إمره) الثقافي خارج تركيا كان في العاصمة السورية دمشق، حيث شهد إقبالًا كبيرًا على تعلم اللغة التركية".

ويدير المعهد، شبكة للأبحاث العلمية وتبادل الخبرات، وأخرى للفلكلور، أهم شبكاته، تعليم اللغة التركية، إذ يفيد القائمون عليه أنهم علموا إلى حدود 2020 م نصف مليون شخص، سواء عبر دروس مباشرة أو عن بعد، ويأملون في وصول العدد إلى مليون في 2024 م.

ويقول رئيس المعهد، آتش : "إن هدف المؤسسة التعريف بتركيا ولغتها وآدابها، وهي مؤسسة وقفية تعمل منذ 10 سنوات، بغرض تصحيح المفاهيم عن تركيا وخلق روابط إنسانية بين تركيا وباقي العالم".  

قد يكون المعهد وصل إلى تحقيق هذه الغاية بالفعل، فرغم الخلافات السياسية بين البلدين، يفيد القائمون على "يونس إمره" في القاهرة على أنه أحد أقوى الفروع، بفضل الإقبال الكبير عليه والتجاوب الكبير للطلاب.
اقرأ المزيد عن معهد إمره من خلال هذا المقال: 
 
google-playkhamsatmostaqltradent